Thursday, September 20, 2012

انتقض الإخشيدية والكافورية على جوهر والمعز لدين الله



روى المقريزى قال

قال ابن زولاق: سألت أبا جعفر مسلم عند رجوعه عن مقدار العسكر، فقال: هو مثل جمع عرفات كثرة وعدة؛ وسألته عن سن القائد جوهر، فقال لي: نيف وخمسون سنة.

فلما قدم الجماعة انتقض الإخشيدية والكافورية، وكان قد بلغهم ذلك وهم عند القائد جوهر، فتسرعوا في الانصراف من عنده، وبلغ جوهر بعد انصرافهم انتقاض الصلح، فأدرك الجماعة، وأعلمهم بأن القوم قد نقضوا الصلح، وطلب إعادة أمانه إليه، فرفقوا به، فقال للقاضي أبي طاهر: ما تقول يا قاضي في هذه المسألة ؟ فقال: ما هي ؟ فقال: ما تقول فيمن أراد العبور إلى مصر ليمضي إلى الجهاد لقتال الروم فمنع، أليس له قتالهم؟ فقال له القاضي: نعم.

فقال: وحلال قتالهم ؟ قال: نعم.

ولما وافى أبو جعفر مسلم ومن معه من عند جوهر جاءه الناس، وركب إليه ابن الفرات في موكب عظيم، وعنده جماعة الوجوه، فقرأ عليهم كتاب جوهر بالأمان والشرط، وأوصل كتاب ابن الفرات وكتب الجماعة، فامتنع القوم من قبول ذلك، وقال فرح البجكمي للشريف مسلم: لو جاءنا جدك بهذا ضربنا وجهه بالسيف.

فلامهم ابن الفرات على ذلك، وقال: أنتم سألتم الشريف هذه المسألة، فلم يقنع حتى أخذ معه أبا إسماعيل وهو رجل حسني ، وأخذ معه قاضي المسلمين، وأخذ معه رجلا عباسيا.

وسكت الشريف مسلم، فلم يزد على أن قال: خار الله لكم.

واشتغل ابن الفرات يسارر الشريف مسلم، والإخشيدية والكافورية في خوض، فقالوا كلهم: ما بيننا وبين جوهر إلا السيف:
فسلموا على تحرير شويزان بالإماره، وخرجوا يحجبونه إلى داره، وبقي أحمد بن علي بن الإخشيد لا يفكر فيه.

واستعدوا للحرب، وساروا لعشر خلون من شعبان، فنزلوا الجزيرة بالرجال والسلاح، ووافى جوهر الجزيرة، فلما شاهد ما فعلوه عاد إلى منية شلقان، وعبر إلى مصر من ذلك الموضع، وأرسل فاستقبل المراكب الواردة من تنيس ودمياط وأسفل الأرض فأخذها، وتولى العبور إليهم جعفر بن قلاح عريانا في سراويل مع جمع من المغاربة، وبلغ الإخشيدية، فأنفذوا تحرير الأرغلي، ويمن الطويل ومبشر الإخشيدي في خلق، فساروا إلى الموضع، وكانوا قد وكلوا به مزاحم بن محمد بن رائق فلقوه راجعاً، ووقع القتال فقتل خلق من المصريين.

وانصرف الناس عشية الأحد النصف من شعبان، فلما كان نصف الليل انصرف من كان بالجزيرة إلى دورهم، وأصبحوا غادين إلى الشام، وقد قتل جماعة، منهم: تحرير الأرغلي، ومبشر الإخشيدي، ويمن الطويل، وخلق كثير.

وأصبح الناس على خطة عظيمة، فبكروا في يوم الاثنين إلى دار الشريف مسلم يسألونه الكتاب إلى جوهر في إعادة أمانهم، فكتب إليه، وجلس الناس عنده، وقد طاف علي بن الحسين بن لؤلؤ صاحب الشرطة السفلي ومعه رسول جوهر، وبند عليه اسم المعز لدين الله، وبين أيديهما الأجراس بأن لا مؤونة ولا كلفة وأمن الناس، وفرقت البنود، فنشر كل من عنده بند بنده في درب حارته.

وجاء الجواب إلى الشريف وقت العصر، ونسخته بعد البسملة: وصل كتاب الشريف الجليل أطال الله بقاءه، وأدام عزه وتأييده وعلوه وهو المهنأ بما هنأ به من الفتح الميمون؛ فوقفت على ما سأل من إعادة الأمان الأول، وقد أعدته على حاله.

وجعلت إلى الشريف أعزه الله أن يؤمن كيف رأى وكيف أحب، ويزيد على ما كتبته كيف يشاء، فهو أماني، وعن إذني وإذن مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه .

وقد كتبت إلى الوزير أيده الله بالاحتياط على دور الهاربين إلى أن يرجعوا إلى الطاعة، ويدخلوا فيما دخلت فيه الجماعة، ويعمل الشريف أيده الله تعالى على لقائي في يوم الثلاثاء لسبع عشرة تخلو من شعبان.

فاستبشرت الجماعة وابتهجوا، وعملوا على الغدو إلى الجزيرة للقاء جوهر مع الشريف مسلم، وبات الناس على هدوء وطمأنينة.

فلما كان غداة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شعبان خرج الشريف أبو جعفر مسلم، وجعفر بن الفضل بن الفرات، وسائر الأشراف والقضاة والعلماء والشهود ووجوه التجار والرعية إلى الجيزة، فلما تكامل الناس أقبل القائد جوهر في عساكره، فصاح بعض حجابه: الأرض، إلا الشريف والوزير.

وتقدم الناس واحداً واحداً، فلما فرغوا من السلام عليه عاد الناس إلى الفسطاط.

فلما زالت الشمس أقبلت العساكر، فعبرت الجسر، ودخلت أفواجا أفواجا، ومعهم صناديق المال على البغال، ويقال إن المال كان في ألف وخمسمائة صندوق ، وأقبلت القباب، وأقبل جوهر في حلة مذهبة مثقل في فرسانه ورجالته، وقاد العسكر بأسره إلى المناخ الذي رسم له المعز موضع القاهرة، واختط موضع القصر، وأقام عسكره سبعة أيام يدخل من يوم الثلاثاء إلى آخر يوم الاثنين ، واستقرت به الدار.

وجاءته الألطاف والهدايا فلم يقبل من أحد طعاما إلا من الشريف مسلم، ويقال: لما أناخ جوهر في موضع القاهرة الآن اختط القصر، فأصبح المصريون ليهنئوه، فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل.

ويقال إن جوهر لما بنى القصر، وأدار عليها السور سماها: المنصورية، فلما قدم المعز لدين الله إلى الديار المصرية سماها القاهرة.

ويقال في سبب تسميتها القاهرة أن القائد جوهر لما أراد بناء القاهرة أحضر المنجمين، وعرفهم أنه يريد عمارة بلد ظاهر مصر ليقيم بها الجند، وأمرهم باختيار طالع لوضع الأساس، بحيث لا يخرج البلد عن نسلهم، فاختاروا طالعا لحفر السور، وطالعا لابتداء وضع الحجارة في الأساس، وجعلوا بدائر السور قوائم من خشب، بين كل قائمتين حبل فيه أجراس، وقالوا للعمال: إذا تحركت الأجراس أرموا ما بأيديكم من الطين والحجارة.

فوقفوا ينتظرون الوقت الصالح لذلك، فاتفق أن غرابا وقع على حبل من تلك الحبال المعلق فيها الأجراس، فتحركت الأجراس كلها، وظن العمال أن المنجمين حركوها، فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة وبنوا، فصاح المنجمون: القاهر في الطالع.

فمضى ذلك وفاتهم ما قصدوه. ويقال إن المريخ كان في الطالع عند ابتداء وضع أساس القاهرة، وهو قاهر الفلك، فسموها القاهرة، فحكموا لذلك أن القاهرة لا تزال تحت حكم الأتراك.

وأدار السور اللبن احول بئر العظام، وجعلها في القصر، وجعل القاهرة حارات للواصلين صحبته وصحبة مولاه المعز، وعمل القصر بترتيب ألقاه إليه المعز. ويقال إن المعز لما رأى القاهرة لم يعجبه مكانها في البرية بغير ساحل، وقال لجوهر: يا جوهر فاتتك عمارتك ها هنا يعني المقس بشاطىء النيل . فلما رأى سطح الجرف المعروف اليوم بالرصد، قال: يا جوهر: لما فاتك الساحل كان ينبغي عمارة القاهرة بهذا الجبل على هذا السطح، وتكون قلعة لمصر.

قال: وكان المعز عارفا بالأمور، مطلعاً على الأحوال بالذكاء، وكان يضرب في فنون منها النجامة، فرتب في القصر ما يحتاج إليه الملوك بل الخلفاء، بحيث لا يراهم العيان في النقلة من مكان إلى مكان، وجعل لهم في ساحاته البحر والميدان والبستان، وتقدم بعمارة المصلى ظاهر القاهرة لأهلها، لخطبتهم فيها والصلاة في عيدي الفطر والنحر، والآخر بالقرافة لأهل مصر.

وقال ابن الظاهر: فلما تحقق المعز وفاة كافور جهز جوهر وصحبته العساكر، ثم نزل بموضع يعرف برقادة، وخرج في أكثر من مائة ألف فارس، وبين يديه أكثر من ألف صندوق من المال وكان المعز يخرج إلى جوهر في كل يوم ويخلو به، وأمره أن يأخذ من بيوت الأموال ما يريد زيادة على ما أعطاه.

المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 

No comments:

Post a Comment