Thursday, October 11, 2012

لما مات الجرجرائي وتولى الفلاحي انبسطت كلمة أبي سعيد في الدولة، بحيث لم يبق للفلاحي معه في الوزارة أمر ولا نهي، سوى الاسم فقط



روى المقريزى قال

في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة  عمل الوزير أبو منصور الفلاحي على أبي سعيد سهل بن هرون التستري اليهودي وقتله عند خان العبيد. وذلك أن أم المستنصر كانت جارية أبي سعيد هذا، فأخذها منه الظاهر وتسراها، فولدت له ابنه المستنصر، فرقت أبا سعيد درجةً عليه بعد وفاة الظاهر. وكان يخاف الوزير الجرجرائي، فلم يظهر ما في نفسه. فلما مات الجرجرائي وتولى الفلاحي انبسطت كلمة أبي سعيد في الدولة، بحيث لم يبق للفلاحي معه في الوزارة أمر ولا نهي، سوى الاسم فقط وبعض التنفيذ لا غير، وأبو سعيد يتولى ديوان أم الخليفة المستنصر. فغض الفلاحي بأبي سعيد وشغب عليه الجند حتى قتلوه. وذلك أن بني قرة، عرب البحيرة، أفسدوا في الأعمال، فخرج إليهم الخادم عزيز الدولة ريحان، وأوقع بهم وقتل منهم، وعاد وقد عظم في نفسه لمعالجة النصر على بني قرة والظفر بهم. فثقل على أبي سعيد أمره واستمال المغاربة وزاد في واجباتهم، ونقص من أرزاق الأتراك ومن ينضاف إليهم؛ فجرى بين الطائفتين حرب بباب زويلة. واتفق مرض ريحان وموته، فاتهم أبو سعيد أنه سمه؛ وتجمع الطوائف المنحرفة عنه على قتله. فركب من داره على العادة يريد القصر، في يوم الأحد لثلاث خلون من جمادى الأولى، في موكب عظيم؛ فلما قرب من القصر اعترضه ثلاثة من الأتراك وضربوه حتى مات. فأمر المستنصر بإحضار من قتله، فاجتمع الطوائف وقالوا نحن قتلناه. فلم يجد المستنصر بداً من الإغضاء. وقطع الأتراك أبا سعيد قطعاً، وتناولت الأيدي أعضاءه فتمزقت؛ واشترى أهله ما قدروا على تحصيله من جثته بمال. وجمع الأتراك ما قدروا عليه من أعضائه ورمته، وحرقوا ذلك بالنار، وألقوا عليه من التراب ما صار به تلا مرتفعا. وضم أهله ما وصل إليهم منه في تابوت وأسدلوا عليه ستراً، وتركوه في بيت مؤزر بالستور وأوقدوا الشموع، وأقاموا عزاءه. فتعلقت من بعض الشموع شرارة في الستور التي هناك ومضت فيها، فاحترق التابوت بما فيه.

وكان مقدار ما حصل في بيت المال البراني على يدي أبي نصر صدقة الوزير وأبي سعيد إبراهيم التستري من يوم مات الوزير علي بن أحمد الجرجرائي وإلى أن قتل أبو سعيد سبعمائة ألف دينار. والذي مات عنه الجرجرائي، وهو حاصل بيت المال المذكور برسم النفقات، ألف وسبعمائة ألف وستمائة وواحد وعشرون ديناراً ونصف ونصف ثمن دينار. فصار حاصل بيت المال برسم النفقات إلى أن قتل أبو سعيد ألقى ألف دينار وأربعمائة ألف دينار وستمائة دينار وواحد وعشرون ديناراً ونصف ونصف ثمن دينار.

ورد المستنصر لأبي نصر، أخي أبي سعيد، خزانة الخاص، ولولدي أبي سعيد النظر في بعض الدواوين. وحقدت أم المستنصر على الوزير أبي منصور صدقة بن يوسف الفلاحي بسبب قتل أبي سعيد، وما زالت به حتى صرفته عن الوزارة واعتقلته بخزانة البنود. وقيل كان صرفه في سادس المحرم سنة أربعين.

واتفق أنه لما قبض عليه وسجن بخزانة البنود وأمر بقتله بها، حفرت له حفيرة ليوارى فيها، فظهر للفعلة عند الحفر رأس، فلما رفع سئل عنه الفلاحي، فقال هذا رأس ابن الأنباري، وأنا قتلته ودفن في هذا الموضع؛ وأنشد:

ربّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً ... ضاحكٍ من تزاحم الأضداد

وكان أبوه أحد الكتاب البلغاء؛ وتولى ديوان دمشق.

ومن أحسن ما قيل في أبي سعيد، وقد كره أذاه للمسلمين أنه كان يحلف: وحق النعمة على بني إسرائيل، قول الرضي فيه:

يهود هذا الزّمان قد بلغوا ... غاية آمالهم، وقد ملكوا

العزّ فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك

يأهل مصر إنّي قد نصحت لكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك



المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 


No comments:

Post a Comment